اكتشف الدورات والصدمات الرئيسية التي شكلت أسعار النفط الخام منذ ستينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 2025، من التقلبات المبكرة إلى الاضطرابات العالمية الحديثة.
لطالما كان النفط الخام من أكثر السلع أهميةً استراتيجيةً وتأثيرًا اقتصاديًا في العالم. يروي تاريخ أسعاره قصةً آسرةً عن الحرب والسلام، والازدهار والكساد، والابتكار التكنولوجي، وصراعات القوة الجيوسياسية. فمنذ بدايات مصابيح الكيروسين، وحتى لوحات المعلومات الرقمية لتجار السلع في القرن الحادي والعشرين، كان النفط محور التقدم الصناعي وتقلبات السوق.
في هذه المقالة، ندرس تاريخ أسعار النفط الخام، منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، من خلال عدسة الدورات التاريخية الكبرى وأحداث السوق العالمية.
بدأت صناعة النفط الحديثة عام ١٨٥٩ بحفر أول بئر نفط تجاري في بنسلفانيا، الولايات المتحدة الأمريكية. خلال تلك الحقبة، استُخدم النفط بشكل أساسي للإضاءة قبل انتشار الكهرباء. كانت الأسعار غير مستقرة، مما يعكس ضعف البنية التحتية، والإنتاج المضارب، وغياب أي سيطرة مركزية على العرض.
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تذبذبت أسعار النفط بشكل متكرر، لكنها ظلت منخفضة نسبيًا، حيث تراوحت غالبًا بين دولار واحد ودولارين للبرميل بالقيمة الاسمية. ومع ذلك، ظل السوق إقليميًا إلى حد كبير، وتأثرت الأسعار بالاكتشافات الجديدة، مثل تلك الموجودة في تكساس والشرق الأوسط، وبالطلب المتزايد من الصناعات والنقل، وخاصةً خلال الحرب العالمية الأولى.
شهد الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين انخفاضًا حادًا في النشاط الصناعي، مما أدى إلى انخفاض مطول في أسعار النفط. وبدأت الحكومات والشركات بالتدخل بشكل أكثر مباشرة في إنتاج النفط، وخاصةً في الولايات المتحدة، حيث لعبت لجنة سكك حديد تكساس دورًا هامًا في تنظيم العرض.
شهدت سبعينيات القرن الماضي تحولاً جذرياً في سوق النفط. ولأول مرة، برزت منظمة أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) كقوة مهيمنة قادرة على التحكم في الإنتاج، وبالتالي التأثير على الأسعار العالمية.
صدمة النفط الأولى (1973-1974)
في عام ١٩٧٣، عقب حرب أكتوبر، فرضت دول أوبك حظرًا نفطيًا على الدول الغربية ردًا على دعمها لإسرائيل. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط أربعة أضعاف - من حوالي ٣ دولارات إلى ما يقارب ١٢ دولارًا للبرميل - وتسبب في اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة.
صدمة النفط الثانية (1979-1980)
أدت الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، وما تلاها من حرب بين إيران والعراق (١٩٨٠)، إلى اضطراب كبير آخر في الإمدادات. وارتفعت الأسعار مجددًا، لتتجاوز ٣٥ دولارًا للبرميل بالقيمة الاسمية - أي أكثر من ١٠٠ دولار أمريكي بحلول عام ٢٠٢٤ بعد تعديل التضخم.
وقد كشفت صدمات النفط هذه عن مدى ضعف الاقتصادات الغربية أمام القيود المفروضة على جانب العرض، وأدت إلى دخول عصر من الركود التضخمي، وارتفاع تكاليف الطاقة، والضغوط التضخمية.
بعد فوضى سبعينيات القرن الماضي، دخل سوق النفط العالمي مرحلة استقرار وفائض في المعروض. وقد شجعت أسعار النفط المرتفعة في العقد الماضي الاستثمار في التنقيب، وتحسين الكفاءة، ومصادر الطاقة البديلة. علاوة على ذلك، دخل منتجون جدد - لا سيما في بحر الشمال والمكسيك وألاسكا - إلى الساحة، مما زاد من المعروض من خارج أوبك.
بحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين، شهد السوق فائضًا نفطيًا. وأدت زيادة الإنتاج، سواء داخل الكارتل أو خارجه، إلى تقويض محاولات أوبك لتقييد الإنتاج لدعم الأسعار.
في عام ١٩٨٦، انهارت الأسعار، حيث انخفضت من ٢٧ دولارًا للبرميل إلى حوالي ١٠ دولارات خلال أشهر. واستمرت هذه الفترة من انخفاض أسعار النفط حتى التسعينيات، ونادرًا ما تجاوزت الأسعار نطاق ٢٠-٢٥ دولارًا للبرميل. ورغم أن هذا الانخفاض كان مفيدًا للدول المستوردة للنفط، إلا أنه أرهق ميزانيات العديد من الدول المنتجة في أوبك، وأنذر بتراجع نفوذ الكارتل.
وشهد أوائل القرن الحادي والعشرين ظهور محركات جديدة للطلب، وأبرزها الصين والهند، حيث فرض التصنيع السريع فيهما ضغوطاً هائلة على إمدادات الطاقة العالمية.
ارتفاع الأسعار (2003-2008)
منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الأسعار في الارتفاع بشكل مطرد، مدفوعًا بالنمو الاقتصادي القوي، وتقلص المعروض، والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك حرب العراق. وبحلول يوليو 2008، وصل سعر النفط الخام إلى مستوى قياسي بلغ 147 دولارًا للبرميل، مما يعكس المخاوف من ذروة النفط وضعف طاقة التكرير.
الأزمة المالية والانهيار
أعقب هذا الارتفاع الصاروخي انهيارٌ غير مسبوق. إذ أحدثت الأزمة المالية العالمية أواخر عام 2008 صدمةً في الطلب، فانخفضت الأسعار إلى حوالي 30 دولارًا للبرميل بنهاية العام. وقد أبرزت حدة هذا الانخفاض مدى ارتباط أسعار النفط بالأسواق المالية العالمية، وتدفقات المضاربة، والمزاج الاقتصادي العام.
لقد كانت السنوات الخمس عشرة الماضية من بين السنوات الأكثر اضطرابا في تاريخ أسعار النفط، حيث اتسمت بالتغيرات الهيكلية في الإنتاج والأحداث العالمية الكبرى.
طفرة الصخر الزيتي
منذ عام ٢٠١٠ فصاعدًا، أعادت ثورة النفط الصخري الأمريكية تشكيل مشهد العرض بشكل جذري. مكّنت الابتكارات في التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي المنتجين الأمريكيين من زيادة الإنتاج، مما جعل الولايات المتحدة في نهاية المطاف أكبر منتج للنفط في العالم.
ساهم هذا في انهيار آخر للأسعار بين عامي 2014 و2016، عندما انخفض سعر خام برنت من أكثر من 110 دولارات إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل. وكانت أوبك، التي ترددت في البداية في خفض الإنتاج، قد شكلت في النهاية تحالفًا مع روسيا ومنتجين آخرين (أوبك+) لإدارة الإمدادات.
كوفيد-19 والتسعير السلبي
في أبريل 2020، في ذروة جائحة كوفيد-19، انهار الطلب العالمي على النفط، حيث شلّ الإغلاق قطاعي النقل والصناعة. وبلغ الوضع ذروته عندما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ، حيث تم تداولها لفترة وجيزة عند -37 دولارًا للبرميل، بسبب اختناقات في التخزين وانتهاء صلاحية العقود.
التعافي بعد كوفيد والمخاطر الجيوسياسية
مع إعادة فتح الاقتصادات في 2021-2022، انتعش الطلب بشكل حاد، متجاوزًا تعديلات العرض. في الوقت نفسه، أدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022 إلى تجدد المخاوف بشأن العرض وفرض عقوبات على الصادرات الروسية. ارتفعت الأسعار متجاوزةً 120 دولارًا للبرميل، إلا أنها استقرت لاحقًا وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الفائدة.
بالنظر إلى عام ٢٠٢٥، لا تزال أسواق النفط متقلبة، متأثرة بالتحول في قطاع الطاقة، والتحولات الجيوسياسية، وتغيرات الطلب من الاقتصادات الناشئة. ولا يزال استقرار الأسعار بعيد المنال بالنسبة لسلعة تقع على مفترق طرق بين السياسة والصناعة والتجارة العالمية.
تاريخ أسعار النفط الخام هو سجلٌّ للرواج والكساد، وللتحولات العالمية والتوترات السياسية. فمنذ أقدم آبار النفط في بنسلفانيا وحتى منصات التداول الرقمية اليوم، كان النفط شريان الحياة للتنمية الصناعية ومقياسًا للمخاطر العالمية.
إن فهم تاريخ أسعار النفط ليس مجرد درس في الاقتصاد، بل هو نافذة على صراعات القوة والابتكارات والمخاوف الجماعية في كل عصر. ومع توجه العالم نحو إزالة الكربون وتنويع مصادر الطاقة، قد يتغير دور النفط، لكن أهميته وسعره سيظلان مؤثرين بعمق لسنوات قادمة.
إخلاء مسؤولية: هذه المادة لأغراض إعلامية عامة فقط، وليست (ولا ينبغي اعتبارها كذلك) نصيحة مالية أو استثمارية أو غيرها من النصائح التي يُعتمد عليها. لا يُمثل أي رأي مُقدم في المادة توصية من EBC أو المؤلف بأن أي استثمار أو ورقة مالية أو معاملة أو استراتيجية استثمارية مُعينة مُناسبة لأي شخص مُحدد.
اكتشف أقوى 10 دول آسيوية ذات العملات الأقوى في عام 2025 وتعرف على ما يجعل أسعار صرف عملاتها قوية للغاية في الاقتصاد العالمي اليوم.
2025-07-04تعرف على ما هو مؤشر Euro Stoxx 50، والشركات التي يشملها، وكيفية تداوله بشكل فعال في عام 2025 لتحقيق التعرض العالمي.
2025-07-04تعرف على كيفية تحديد مؤشر التمساح ويليامز لاتجاهات السوق باستخدام المتوسطات المتحركة واستعارة ذكية للمفترس النائم.
2025-07-04